رااااائع 👍من اجمل ما قرأت👍لعلنا ننقذ ما يمكن انقاذه بالدعاء لهن بالصلاح والتوفيق👍
امرأة تحت الإنشاء👍
مقالة أكثر من رائعة ل د. يحيي الاحمدي رحمه الله
عندما وضعت زوجتى ابنتنا العزيزة .. قالت لى من فوق سريرها وهى لا تزال تحت تأثير المخدر ، قولاً لا زلت أتذكره حتى تلك اللحظة التي تخطو فيها ابنتي على عتبات الجامعة :
ألف مبروك يازوجي .. لقد أصبح لديك الآن امرأتان .. واحدة جاهزة .. وأخرى تحت الإنشاء ..!!
لم الق بالاً ساعتها لقولها .. والتفت عما قالت إلى الاهتمام بها ورعايتها لتتمكن من العودة في أسرع وقت إلى بيتى .. الذى رأيته أظلم منذ لحظة مغادرتها له ..!
فلما جاء ذكرى ميلاد ابنتنا الأول .. كررت قولها لي بشكل أخر ، عندما قالت من بين ضوء الشمعة الوحيدة المتراقص : كل سنة وأنت طيب .. لقد أتممت لك اليوم وضع حجر الأساس لامرأتك التى تحت الإنشاء .. !!
استوقفتها ولاتزال بقية قطعة الجاتوه التي أقضمها في يدي لم أدسها في فمي بعد .. وسألتها : وماذا تقصدين يا حبيبتي بامرأة تحت الإنشاء ؟
قالت لي وقد اعتدلت فى جلستها واتخذت جلسة الحكيم المتمكن :
أن صناعة المرأة السوية تبدأ منذ اللحظة الأولى التى تولد فيها .. والأم العاقلة هى التى تعتبر طفلتها هى مشروع امرأة ناضجة ولكن تحت الإنشاء .. مشروع يحتاج - مثل كل مشروع - إلى رسم هندسى ومعمارى وهندسة ديكور وتجميل وصناعة وزراعة ، قبل أن يأتى يوم التجارة الرابحة .. حيث أوان التباهى بما صنعنا وزرعنا وهندسنا .. وهو بنيان كما ترى يستحق ما يبذل من أجله من جهد وعرق وسهر ليال .. فالمهندس الذي يخطيء في بناء عمارة سوف تنهار بسبب خطئه ، ثم يصدر قرار بوقفه عن ممارسة المهنة .. بينما المرأة التي تخطيء في بناء مشروعها الأنثوي ، سوف تفسد امرأة .. وتتعس زوجاً .. وتشقي أبناء .. وقد يطال الفساد مجتمعها بأسره . والمرأة الغبية هى التى تفترض أن صناعة المرأة لا تبدأ إلا عندما تظهر على جسدها دلائل الأنوثة .. حيث هي لا تعرف أن كل شئ له أوانه .. وأنه من يزرع فى غير الأوان قد لا يحصد إلا هشيماً .. وكما يقول المثل الإنجليزي الشائع " It is better because it is in time " .. فلكل سلوك أوان لتعلمه ، لو تأخر عنه ما أمكن التعلم .. فالأسبوع الأول من الميلاد مثلاً هو للتعلق بالروح .. والأسبوع الثانى للتعلق بالأيدي .. والأسبوع الثالث للتعلق بالعينين .. والسنة الأولى هي للتعلق باللفظ .. والسنة الثانية للتعلق بالحركة .. والسنة الثالثة للتعلق بالتفاعل مع الآخرين .. والعشر سنوات الأولى هي للتعلق بالفكر .. والعشر الثانية للتعلق بالعواطف .. وبين كل تلك السنوات أيام وساعات لا تمر منها لحظة إلا وتتعلم المرأة " الطفلة " شيئاً .. تتعلم أن تحفظ نفسها وأن تحافظ عليها .. تتعلم ان تقترب من الآخرين بحذر وأن تبتعد عنهم بدلال .. أن تتجمل دون أن حاجة لأن تتعرى .. أن تحب جنسها وتتصالح معه ولا تعاديه .. أن تسمو باختلافها عن الذكر فلا تعاقر مشاعر النقص مبكراً .. أن تغلق باب حمامها من عمر عامين إلا على أمها .. أن تقرأ مبكراً نهم الغرباء إلى أنوثة الطفلة فيها .. أن ترفع شعرها عن عينيها فى خجل .. أن تبكى للخارج مرة وللداخل مرتين .. أن تتعلم كيف تحب نفسها أكثر مما يحبها الآخرون .. وأن تحب الآخرين ربما أكثر مما يحبون هم أنفسهم .. !!
عند هذا الحد شعرت برعشة قوية تسرى في أوصالي .. وسألت نفسي في عجالة : أكل هذا علينا أن نفعله مع أبنتنا .. ؟؟ أتكون صناعة المرأة بكل تلك الصعوبة وتستغرق كل هذا الزمن .. ؟؟ وهل لاقت امرأتي من والديها مثل هذا الاهتمام .. حتى أصبحت على تلك الروعة التي أحسد نفسي على " امتلاكها " فى بيتى .. ؟؟
استطردت زوجتى .. غاضة الطرف عن لحظة التفكير التى أخذتني من حديثها لبرهة : وهل تظن أن المرأة الجميلة المثقفة العاقلة المتزنة الودود المشبعة لزوجها ، يمكن أن تكون صناعة تلك الشهور التى تلى خطبتها وتسبق زفافها وحسب .. ؟؟ ألا تعرف أن اشباع المرأة لزوجها هو سلوك له جذوره فى طفولة رضاعتها .. وأن حسن رأيها وجرأة مشورتها لهما أصول فى اجتماعيات طفولتها المبكرة .. وأن صمتها حين حديث زوجها وحديثها حين صمته هو أدب لا يصلح تعلمه بعد سن السادسة .. وأن صبرها على مطالب زوجها المتزيّدة هو سلوك لا تتعلمه إلا إلى جوار أمها فى المطبخ ، في تلك الساعات الطويلة التي يقضيانها يلفان ورق العنب أو ينظفان الطيور بعد ذبحها .. على أنغام دروس أمها التعليمية والتربوية .. !!
أتستكثر يا زوجى بعد كل ذلك أن تكون طفلتنا هى مشروع " امرأة تحت الإنشاء " لايحين وقت تسليمه لمن " سيسكنه " إلا بعد عشرين عاماً من البناء والتشييد والتجميل والتزيين والتأثيث ..؟؟ ألا تسعد عندما يصبح حفل التسليم مناسبة للشد على اليد وتقديم آيات العرفان لتلك " المهندسة " التى أشرفت على الإنشاء .. ولذلك
" المقاول " الذى تابع صناعة المنشأة خطوة خطوة ..؟؟ ألست مقاولاً تمول الإنفاق وتتابع تنفيذ التوجيهات .. بينما أنا مهندسة تنفيذ " العملية " على النحو الذي أراده لها المقاول الناجح الشاطر .. ؟؟ !!
تركتني زوجتي نهباً للتفكير في إجابة لسؤال أحسبه عويصاً : هل مثل تلك الصعوبة التي تعانيها الأم والأب في صناعة الابنة – أو الإبن - هو الذى جعل " الجنة تحت أقدام الأمهات " .. وهو الذي هيأ قصراً فى الجنة للرجل الذى يحسن تربية ثلاثة بنات .. أو اثنتين .. أو واحدة .. رغم أنف أبي ذر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق